راقص على الحبال

محمد السيد محسن

هكذا وصفت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان اورتاغوس ، رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حين شبهت وجوده في منصب رئاسة الوزراء كمن يرقص على حبل بين بنايتين ، في كناية عن التحديات التي يعاني منها الكاظمي ، حيث السلاح والعمق الانتقائي في دوائر حكومته التي ملأتها الأحزاب المتنفذة ، وحيث انكسار إرادته على مواجهة من يحاول تهميشه كرجل أول في الدولة العراقية ، خصوصا أولئك الذين يسعون لتفكيك الدولة والإبقاء على حالة الفوضى لأنها الضامن الوحيد لسيادتهم على المشهد المرحلي.

وأضافت اورتاغوس ان وزير الخارجية السابق بومبيدو ضغط كثيرا على الكاظمي من اجل تأمين السفارة الأمريكية التي تعرضت مرارا لهجمات صاروخية.

المتابع للتعامل الأمريكي مع العراق يجد انه لا يختلف ما بين حزبي السلطة السياسية في الولايات المتحدة ، وكأنهما اختلفا على كثير من المفاهيم إلا مفهوم العراق فتجد أن مصداقيته واحدة في السياسة الأمريكية ، وهو ، البقاء وان كان بدون مسلحين

وفي هذا وقع كثير من السياسيين العراقيين الذين فرضت عليهم الولايات المتحدة من خلال وزارة خزانتها عقوبات عليهم في خطأ ووهم لم يتدبروه  ، حيث راهنوا على مجيء بايدن الديمقراطي لكي يتخلصوا من قرارات طالتهم في زمن الجمهوري ترامب ، ولكن الحقيقة أن العقوبات هي قرارات تصدر لدوافع سياسية ، ولكنها سرعان ما تتحول إلى سلوك قضائي وإداري محض.

ويبدو أن مجيء بايدن وان انزل الكاظمي من حبله بين عمارتين ولو بشكل مؤقت ، ووفر فترة هدنة انتقائية بينه وبين مناوئيه الذين راهنوا على سقوط ترامب ، إلا أن الأخير وضح إستراتيجيته عبر مقال نيويورك تايمز ، حيث أكد على أن إستراتيجية بايدن الجديدة ضد الدول التي لا تتبع السياسة الأمريكية هي دعم والوقوف مع المعارضين ، لسببين ، أولاهما أن بايدن لا يؤمن بالتغيير باستخدام العسكر، وإذا جاء التغيير من قبل المعارضين باستخدام العسكر فان هذا لا يعد شأناً أمريكيا محضاً وقد بان ذلك وبشكل واضح في ميانمار حيث حدث أول انقلاب عسكري في العالم بعد قطيعة دامت أكثر من عقد على الانقلابات الناجعة.

ثانيهما أن إدارة بايدن تسعى لجعل هذه المعارضة ورقة ضغط على الحكومات ، كي لا يفرض عليها التدخل في حرب أخرى ، حيث أن اليد الأمريكية الطولى تستطيع أن تغير بحرب تكاد تكون صفرية من خلال دعم معارضين.

وعلى ما يبدو ان العراق لم يعد أولوية أمريكية على الرغم من تفاهم الحزبين على الالتفات إليه بين حين وآخر ، كالتزام أخلاقي! ، حيث ان ما يجري في العراق كله بسبب الاحتلال الذي لم يستند الى شرعية دولية ، بيد ان الاهتمام الأمريكي يحاول ان يتعامل مع التاريخ القريب ، وأيضا محاولة حلحلة التحدي الإيراني ، وفشل الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على قوتها وهيبة قدرتها على إدارة الوضع في العراق ، والتنازل لصالح ملء الفراغ ، وهذا ما اضطلعت به إيران ،  وهذه الأخيرة هي التي ستجبر الولايات المتحدة على البقاء في العراق لانها أي الولايات المتحدة تحس بخسران رهان السطوة على العراق امام إيران ، فأصدقاء الأمس القريب باتوا غرباء على الواقع العراقي الجديد ولم يعودوا يؤثرون ، وما يهمهم فقط هو الحفاظ على مكتسبات تركة بريمر لهم.

كما يبدو ان الإيرانيين تفهموا المساعي الأمريكية الجديدة بحكم اتقان لعبة التخادم الأمريكي الإيراني على الأرض العراقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى