معاقبة شعب على انتفاضته
احسان جواد كاظم
كلما ألصقت قوى الفساد والأرهاب وضيع صفاتها وشائن سلوكها بشباب انتفاضة تشرين المجيدة
تراها تتساقط كما قشرة صبغ قديم , ولا يبقى سوى معدنهم الوطني الأصيل حيث يتعزز يوما بعد يوم تقدير الشعب لتضحيات شبابها وسمو مبادئها , بينما تتصدع سمعة اعدائهم وينالون الاحتقار العام.
بدأت دائرة عقابهم للشعب بتجاهلهم لإرادته وتوقه للحرية منذ اليوم الأول لجلوسهم مع بول بريمر ممثل سلطة الاحتلال في العراق بعد اسقاط نظام الدكتاتور عام 2003 وتكرمه عليهم بتقسيم الكعكة على اساس محاصصي تقسيمي, شيعة وسنة وأكراد وتسليمهم مقاليد السلطة.
ولأن الشعب لم يكن همهم يوماً فقد انبروا على التكالب على ثرواته والتحكم برقابه الذي انتج اصطفافا مريضاً , دفعوا الى تأجيجه وتغذيته ليتحول إلى صراع طائفي وتخندق مذهبي مقيت
قاد إلى عقاب متعدد الأطراف للشعب المغلوب على أمره , تمثل بحرب طائفية همجية , كأكأت فيها القاعدة وداعش والميليشيات الطائفية عليه تتبارى في ابتداع طرق ايلامه وتعميق ماسيه وخرج منها خاسرا مثقلا بالجراح والضغائن , منهكا من سرقاتهم لثرواته وأمواله , حتى بزغ فجر انتفاضة تشرين / اكتوبر عام 2019 المجيدة الذي فاجأ الجميع بسطوع نوره ونقاء ووعي شبابه وقلب الامور وأوقفها على قدميها بعد أن كانت تقف على رأسها بمبادئها الوطنية , واهدافها السامية في بناء وطن حر ونظام مدني ديمقراطي , كما كشف عوراتهم وفضح زيف ادعائهم ونزع قدسية رموزهم , ثم بعد ذلك عزز التلاحم الوطني والولاء له وحده لا شريك له. ورغم وحشية قناصيهم وهمجية ميليشياتهم وحقد متنفذيهم الأسود وقنواتهم الفضائية المأجزرة الصفراء فقد صمد الثائر العراقي بصدر عار امامهم , مقدما قوافل من شباب الوطن قرابين فداء لتحريره من قبضة القتلة والحرامية.
لقد أسقط المنتفضون العُزّل كل مراهنات احزاب الفساد وميليشياتها واطاحوا بكل مناورات سياسييهم المتربعين على سدة الحكم , بإنهاء نظام تحاصصي نهبوي ومحاسبة قتلة رفاقهم وسارقي ثرواته شعبهم وارساء اسس تظام سياسي مدني عادل.
ببساطة لقد فرضت الإنتفاضة نفسها كرقم صعب فاعل في المعادلة السياسية في البلاد بعد ان أسقطت وزارة القناصين وقمعت رغبة القتلة في ترشيح ممثلين جدد عنهم.
وبعد أن هشمت الأنتفاضة صورة قيادات ميليشياوية قبيحة غارقة في طائفيتها وولاءاتها الخارجية كانت تتبجح بقتالها يوما بسلاح الدولة واسست وحشا طائفيا اجنبيا , ثم تفتخر باستدارتها لتوجه فوهات هذا السلاح نحو أبناء الوطن الثائر لقمع انتفاضة الشعب بوحشية مفرطة.
لقد تاجروا بدماء شباب العراق المتطوعين لصد همجية الدواعش وتسلموا المكافأة وزارات ونوابا وجيوشا واموالا واراضي على حساب الشهداء ولم تترك لعائلاتهم الفقيرة سوى الترحم عليهم والثناء على تضحياتهم, واكتفوا برفع صورهم على اعمدة الكهرباء.
يبدو أن فرض الانتفاضة جعلها كرقم صعب في المعادلة السياسية رغم استمرار الاغتيالات ضد ناشطيها يقابلها عمي السلطات الأمنية عن مرتكبي هذه الجرائم ما جعل طغمة الفساد تتوجه لاعتماد اساليب جديدة لقمع المطامح الشعبية بحزمة عقوبات جديدة تتمظهر بمظهر قانوني برلماني موازية لعُسفها المسلح بصياغة قانون الانتخابات العامة ليخدم تأبيد وجودهم في مجلس النواب وفي السلطة التنفيذية ليغلق الأبواب أمام أي إمكانية لمجيء بدائل شبابية عنهم وسحب مشاريع قوانين سابقة من الدرج كانت مخبأة لاستثمارها بالوقت الذي يناسبهم وإعادتها للحياة مثل قانون جرائم المعلوماتية سيء الصيت والذي وصفته منظمة أمنستي انترناشونال بأنه بمثابة صفعة قاسية للحريات.
حيث يعاقب على ابداء الرأي الآخر على وسائل الاتصال الجماهيري والتواصل الاجتماعي والالكتروني وعلى انتقاد القتلة والفاسدين وابقاء المواطنين تحت سطوة اكاذيب الاعلام الاجير اواعلان مبادرات للعودة الى مستنقع المحاصصة السابق والبقاء على ذات الطغمة في السلطة
والتي تجاوزها الزمن ولا يخرج عن حزمة العقوبات ضد الشعب برامج التقشف الاقتصادي المقترحة في ميزانية العام القادم , وتحديد أسعار جديدة للدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي
, ستؤثر سلباً على القدرة المعاشية للمواطن البسيط بينما حيتان فساد السلطة وقططها السمان
وتبقى تتمرغ بنعيم الامتيازات وسرقات المال العام. في ختام ما نقول لهم .. ان تحاصصكم ممهور بالدم العراقي.