ماذا لو عاد الشهداء؟
محمد السيد محسن
مرت قبل يومين ذكرى المنازلة التاريخية للعراقيين مع اعتى منظمة إرهابية اتفقت الآراء انها كانت تمول بشكل رسمي من دول , وتم اختراقها من قبل استخبارات دول أخرى لتسخر ارهابها ورعبها لمصالحها الخاصة.
انها منظمة داعش الإرهابية التي وقف الشهداء بوجهها في معركة قل نظيرها في التاريخ الحديث , من حيث القتال العقائدي والبطولات المتميزة , والتي وصل بعضها الى حكايات الاساطير , حيث فتية امنوا بوطنهم فزادهم الموقف القتالي ايمانا بان الموت في سبيل الوطن سيكون بشارة انتصار الوطن على الظلام.
ولكن ماذا لو عاد هؤلاء الفتية الذين بذلوا دمهم من اجل ان يشيع الأمان مدن العراق , وان يتسنم الشرفاء سدة القرار وان ينتهي الفساد في بلادهم ؟ ماذا لو عاد هؤلاء الفتية بدمهم الذي غسل ارض المعركة , فهل سيرضون عن ما سيجدونه من فقدان الكرامة لعائلاتهم وامهاتهم؟
كيف حلموا بان يخلف دمهم الوطن , وبذلهم بالنفيس من الحياة ؟ .. هل سيشاهدون الوطن مثلما حلموا به بعد التضحية من أجله؟
كيف سيشاهدون قادتهم الذين كانوا يحضونهم على التواجد في ارض المعركة لرد الظلام ؟ هل الضوء الذي حلموا به هو ذاته الذي تمنوا ان يشيع في سماء عراقهم وأهله ؟
هل هؤلاء القادة حفظوا غيبة الشهداء ؟ وحفظوا عهدهم في الاعتناء بعائلاتهم ؟
ماذا سيقول الشهيد الذي يرى بان زوجته تناضل من اجل ان لا يلوث عباءتها موظف يستغل ما تبقى من شبابها وجمالها حين تراجع دائرة حكومية؟
ماذا سيقول شهيد وهو يرى أخاه الغض الغرير يقتل من قبل سلاح نفس القادة الذين كانوا يحضونه على قتال الإرهاب؟
سيتعرف دم الشهداء على بعضه حين يتجول الشهداء في ساحة التحرير, وسيشمئز الشهداء من الايادي التي كانت تودعهم عند الجبهة , حين يكتشفون انها صافحت يد الفساد وتحالفت معها.
ان عودة الشهداء ستثير الكثير من التساؤلات , وسيخسر في الحصول على اجاباتها أولئك الذين استثمروا بدم الشهداء ليتحولوا الى عصابات تسيطر على سوق المال في العراق وموانئه ومنافذه الحدودية , وفوق كل ذلك باتوا يسيطرون على سوق المخدرات والبغاء في العراق.
ان عودة الشهداء ستجعل من الذين دفعوهم واستثمروا بعد ذلك بدمهم امام امتحان أخلاقي صعب , لكن الشهداء سيكتشفون سريعا ان الاخلاق التي سوقت لهم من اجل ان يكونوا في مواجهة الإرهابيين , لم تعد هي نفسها , وان ما جرى ليس سوى محاولة استحواذ على مجد زائف للدنيا , في حين انهم كانوا يراهنون على الارتقاء نحو الاخرة كي يجعلوا الدنيا امنة لابنائهم وزوجاتهم.
درس بليغ سيعطون أولئك الشهداء اذا عادوا , سيكون ابلغ من درسهم الأول الذي حققوا فيه معجزة المواجهة , ولكن الذين تمكنوا من سرد الحكاية سيكون لهم اول الدمع ليقصوا عليهم ما جرى من بعدهم , حيث سيكتشف الشهداء ان العراق لم يكن كما عهدوه بلدا مهددا , وانما هو بلد مستغل من قبل مجموعة من المتلونين والمتحولين, ولا شيء مقدس سوى المال والبحث عن المجد والجاه.
اما الظلامة الكبيرة فهي : اذا اكتشف الشهداء ان المقاتلين الذين كانوا يحضونهم على القتال في خطوط المواجهة القوا السلاح واستبدلوه بالحاسبة الصغيرة كي يلحقوا على كشف حسابهم الذي تضخم , وتم استبدال دمهم المضيع بعقارات في اوربا وبيروت ودبي, وان مقرات الاخوة “المجاهدين” باتت تنضوي على أموال قارون واحلام السعي للدنيا التي غادروها هم على امل لم يتحق.