الاغتسال بدم الشهداء
محمد السيد محسن
محمد السيد محسن
اذا انتفض العبد لن يخسر الا قيوده ..جملة قالها سبارتاكوس حين ثار مع اقرانه العبيد ولم يخسر الا القيد الذي كان بمثابة هوية عبوديته ، وتحول الى رمز للمنتفضين عبر العصور ، انها صيغة التحرر وشيمة الانتفاض لرفض الظلم .
كان تشي جيفارا يكره المكان ويعتقد انه ثائر لا يحده مكان ، ولا يستطيع ان يبقى اسير المكان ، هكذا هي الثورات والانتفاضات التي حررت عقول البعض قبل بلدانهم.
ولم تتشبث انتفاضة ما بمكان ما ، لان الحرية الحمراء لها باب افتراضي كما يقول احمد شوقي ، يدق بكل يد مضرجة ، فالمكان اذا استطال ، هو الذي يسمح للثورات ان تخترق ، وهو الذي يمنح الشك بقياداتها ، وهو الذي يأتي بالغث والسمين على حد سواء فيتشابه البقر على المنتفضين.
ان انتفاضة تشرين لها سوحها ، بيد ان المتربصين والمستغلين لدماء الشهداء استطاعوا ان يوصلوا رسائل مشوهة عنها ، وباتوا يخططون لمرحلة الكرسي بمساعدة من تم الانتفاض عليهم ، بعض قادة الانتفاض
باتوا يحملون الوجه الاخر لبعض الفاسدين ، بذريعة ان القانون الانتخابي لن يسمح لهم بالفوز الا اذا تم الاتفاق مع احد الزعامات .
كل تلك المعطيات تدفعني للاطمئنان على نزاهة ما سيتبقى من عمر الانتفاضة لتولد من جديد بفتيل عراقي لم يتلوث باروقة ووشوشة المنحطين من المتعاملين مع ذيول الزعامات الحزبية الفاسدة.
مهم جدا ان يتحرر المنتفضون من ساحات ترهلت وباتت مرتعا للمستغلين والمساومين ، ومهم جدا ان تعاد ديباجة ادبيات الانتفاضة بدون ان تمرر على مقص السماحة والحجي والشيخ والسيد والدعي ابن الدعي الذي يركز بين السلة والذلة ، تلك هي ملامح الثورة النقية
انتفاضة تشرين مدعوة اليوم لتغتسل بكل هدوء قبل ان تعلن الحداد من جديد وبوسائل اكثر تأثيراً وأقل تأثراً.
الاغتسال بعد الحرب لا يمنع التواصل مع خطط جديدة لصنع انتصار جديد ، ولا بد ان نركن قليلا الى قوانين الفيزياء فلكل بداية فعل عودة للوراء كي يحدث الانطلاق ، وتقاس قوته بمقدار
انه القانون الثالث لنيوتن والذي ينص على ان لكل فعل رد فعل ، يساويه في القوة ، ويعاكسه في الاتجاه ، انا أرى ان المنتفضين يحتاجون للوقوف على ارض صلبة منذ اليوم ، وان يعودوا بنقاء افضل ، وقوة بدون مكان ، ومشروع بدون دوافع مرحلية ، فالتجربة التي سرح بها البعض وانتهز فرصتها بركوب موجة الاتفاقات الودية والسرية مع الأحزاب ومن يمثلها من رجالات رئيس الحكومة ، تلك تجربة لم تكن قاسية بل ان دماء الشهداء ما زالت ملهمة لدى البعض ، ويعتقدون بانها ما زالت السراج المنير والايقونة التي يجب ان لا تنطفئ مهما عرض البعض دم الاخر من اجل ان يستثمر به للمرحلة القادمة.
وعلى المنتفضين ان يعودوا مرة أخرى بوجه حذر وان يرفعوا وجهة النظر عاليا ، فمن ادعى انه منهم وكان جزءا من قاتليهم ، وعضوا في خلية ازمة عبد المهدي طيلة فترة القنص والقتل المجاني ، عليهم ان يقفوا بشكل واضح تجاهه وان يقولوا له بصوت واحد ان المتسلقين لا مكان لهم بين الطاهرين ، ارجموا الهة التسلق بالطهارة والاغتسال بدم الشهداء .
تلك جولة انتهت واما المطاولة فهي للشعوب ، ولم نعرف قبلا ان شعبا انتهى امام حكومة او مستبد طاغ ، بل ان الشعوب هي التي تبقى في النهاية وان مزابل التاريخ لم تجمع يوما الا من بقايا الحكومات ومن يتحين فرصة السجود لها والربت على اكتاف أصحاب القرار فيها.
تلك هي سنن التاريخ ، وما أخطأت سنّة من قبل.