بين لندن والفلوجة
محمد السيد محسن
تابعت قبل أيام فيلم London has fallen وهو فيلم هوليودي من سلسلة أفلام بنفس العنوان أنتجت عام 2016، كانت أحداثه تدور حول انتقام تاجر أسلحة متهم بالإرهاب لمقتل ابنته، التي قضت نتيجة استهداف منزله بضربة أمريكية نجا منها وقتلت ابنته، فقرر أن ينتقم وحدد موعداً لهجومه وكان يوم انعقاد قمة G20 في لندن، وفعلاً سيطر على المدينة بالاستعانة بمجموعة من المرتزقة، وكان هدفه الأول إلقاء القبض على الرئيس الأمريكي المشارك في القمة، وقتله أمام الملايين وبث مقتله بشكل مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولغرض معالجة الوضع الأمني قررت السلطات البريطانية إنزال قوات خاصة وبسلاح متطور، فعلق أحد الضباط الأمريكان المرافقين للرئيس الأمريكي بالقول: لا نريد من لندن أن تصبح فلوجة أخرى.
استوقفتني هذه الجملة على اعتبار أن الفلوجة مدينة قاتلها الأمريكان لمرتين بتهمة تجمع المعارضين لتواجد قواتهم في العراق، وسرعان ما تم اتهام المتواجدين بالإرهاب، الأمر الذي عززه بعض قادة الاعتصامات حين استعانوا بالإرهاب وأدخلوه إلى مدينتهم، فيما راهنوا هم على الزمن فعقدوا صلحاً مع قيادات شيعية وأصبحوا من أقوى المتحالفين مع المجاهدين!
لماذا الفلوجة أريد لها أن تتكنى بالإرهاب؟
ولماذا تم ترسيخ هذه الفكرة في أذهان المتابعين؟ بالاستعانة بماكينة الإعلام الأمريكية وخصوصاً هوليوود؟
إنها بلا شك قضية تتعلق بالسياسات الامريكية التي تؤسس دائماً وبشكل مسبق لفكرة ما ثم تتحول هذه الفكرة الى حقيقة واقعة، نجتر ذاكرتنا لنعرف أسبقية هوليوود في حدث ما، وقد استعدنا ذاكرتنا كثيراً في أزمة كورونا وتوصلنا إلى حقيقة أن هوليوود أثارت أزمة الفيروس قبل حدوثه، وقبله كان فيلم يوم الاستقلال الذي أنتج عام ١٩٩٣ تحدث عن وجود أكبر قاعدة جوية للجيش الأمريكي في الصحراء العراقية. وغيرها الكثير من الأحداث التي استبقت فيه هوليوود الفكرة لتتحول إلى حدث في وقت لاحق.
لكن المثير في التشبيه بين المدينتين أن الفلوجة بدأت تؤسس لجمال كي تطرد سمعة الرعب التي لصقت بها بفعل الماكينة الإعلامية الأمريكية وتردد الصدى القريب في العراق، حتى باتت اليوم بيئة طاردة للظلام، وتأتينا التقارير الإيجابية عن الفلوجة باحتضانها لفعاليات فنية وثقافية متنوعة، وركوبها موجة إعمار قل نظيرها في عراق ما بعد 2003.
وتحولها إلى مدينة قرار سياسي في مرحلة مهمة من تاريخ عراق ما بعد إسقاط الإرهاب والاتفاق على مطاردة الإرهابيين.
ومن المثير وصول تقارير أن تنظيم داعش الإرهابي اعترف عن طريق بعض قياداته الذين ألقي القبض عليهم حديثًا بأن الفلوجة باتت عصية على التنظيم، ولا وجود لخلاياه في المدينة.
ورغم تأسيس قصة نجاح في الفلوجة وتحولها إلى مدينة معمرة بعد خراب مجتمعي وبنيوي، إلا أن الحنق السياسي ما زال يلوث المشهد لمحاولة دخول المعترك الانتخابي بشكل مبكر، لمحاولة تقزيم جهود البناء والأعمار.
وينتقل فيروس التخريب بالملامسة الطائفية إلى محافظات أخرى يسيطر عليها المتدين السياسي ليستثمر اللحظة الزائفة ويقلد المخربين بخرابهم كي يقتل أمل العراقيين بإمكانية أي تغيير ممكن أو بناء أو إعمار.
وأعتقد أننا يجب أن ندافع عن كل قصة نجاح بغض النظر عن مكانها والأشخاص الذين ساهموا بها، لأننا يجب أن نقاوم التخريب بالتشجيع على البناء ومساندة المهندسين كي يقفوا بوجه المتدين الانتهازي الذي يخرب العقول ويجهل كيف يبني المدن لان علاقته بسطح المشهد السياسي أكبر من علاقته بالتاريخ والأخلاق والجمال والبناء.