الهاربون من المسؤولية يتعثرون بدماء شباب الناصرية

عبد الحميد الصائح

في غيابِ القرارِ المسؤولِ الجريء الذي ينطقُ الحقَ حول مايدورُ في الناصرية ، تظل التهمةُ الملفقة والادانةُ الظالمة والقصاصُ الإجرامي سيد الموقف دونَ منازع في مدينة الناصرية وأقضيتها الثائرة ضد الظلم منذ أن تعارفَ الخلق وخالقهم على هذه الأرض التي تغلي بقيم وتقاليد وحرائق اعصاب معقّدة. / ليس هذا مرهوناً بحدث أو نظامٍ أو مرحلة، بل هو سنّة سيئةٌ لجميعِ الأنظمة التي تعاملتْ مع أبناء هذه المدينة، يحلبونَ عاطفتها ويطعمونها فتاتَ خيرها ويفرّطون بمصالحها ويعجزون عن فهم انسانها كما ينبغي ، الانسان الوفي النبيل المخلص المهذّب الخدوم العقائدي ،لكنه العنيدُ المتصلّب الذي يدانى ..خادمٌ للغريب اذا لجأ اليه وقاطعٌ ليد الغريب اذا احتله وأهان ثوابته . وعليه لايمكن أن يكون الخبرُ في الناصرية أو عنها خبراً مباشرا، فلابد من لغةٍ ومجازٍ وتوريةٍ وباطنيةٍ وتبجيلٍ واحترام .
فالخبر حين يصنعُه الشهداء ويكتبُ بالدم لم يعد تقريرا لقراءة الموقف بل رقيم ٌ لقرارءة التاريخ ..ولذلك أخطاوا ويخطئون ، فما يحدث في الناصرية اليوم نعم هو امتداد للاحتجاج لكنه ايضا تنوع في التوظيف واستغلال الفوضى ، عجزت الناس من أن تجد رجلاً أمينا يعنى بشوؤنها ، فاكتشفت أن المناصب ذاتها فاسدة ، حيث لايوجد محافظ نزيه في العراق ولا مسؤول بريء من جوع الناس ودمائهم. وهذا ليس حُكما بل هذا توصيفٌ للراي العام الذي تأسس بفعلِ الجورِ والظلمِ والكذب والفساد .
فبين تشرين الثورة والقيم التي شهدتْها، والحالُ التي وصلت اليها ولم تنته من تخوينٍ وقتل واعتقال وأسرابٍ من الجرحى ، وبين البحثِ عن بقعة اصلاح، دارت المعركة بين الشباب وبين محافظ الناصرية القاضي ناظم الوائلي، الذي وجدَ نفسه بين ليلة وضحاها من قاضٍ وجيهٍ محترم يحبه الناس جميعا الى مُدافع عن نفسِه ومنصبِه، متورطاً بدماءِ شباب مدينته.
من يقف وراء ذلك ، فسادُ المنصب أم فسادُ القاضي أم جمرةُ تشرين التي لايُعرف متى تشتعل وأين وعلى من؟ أم ايادٍ خفية تدفعها الاحزاب المتكالبة على المناصب في المدينة وهي ترتدي الدروع وتتشبه بالتشرينيين لتصفّي حساباتها فيما بينها.؟ اذا افلحت غيرت المحافظ بمحافظ اسوأ منه، واذا خسرت فالهزيمة تلحق بجيش الاضاحي من الفقراء التشرينيين المسالمين.
هذه أهم الاسئلة التي اذا فكّكها اصحابُ القرار سيتوصلون الى حلٍ في الناصرية .
فالمحافظة هدأت هدوءا نسبياً تحت وقْعين : وقعُ الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء البديل بمحاكمة قتلة المتظاهرين لاسيما الفريق جميل الشمري مرتكب مجزرة جسر الزيتون الذي بقي موقفه غامضا مثل موقف قادته ..هل نفذ امرا ما؟.. ام اقدم على فعلته دون امر كما قال قائده المستقيل عبد المهدي ؟. وهو في الحالتين اما يحال الى المحكمة بتهمة التصرف الشخصي المفضي الى الجريمة ، او ان يساق من اصدر الامر له الى القضاء وياخذ جزاءه ، لاثالث غير ذلك وهذه هي الغصة التي ستظل في بلعوم الثورة الطويل ولن تزول . فضلا عن ترك الحكومة للسلاح المنفلت يعبث بالناس ويهدد امنهم مع آلة اعلامية مسلحة لشيطنة الشباب واتهامهم بما ليس فيهم.
في هذا الفرن الكبير احترق الوائلي الذي وجد نفسه في اسوأ مايكون عليه الإنسان حين يتحول من قاضٍ يحرس العدالة والنزاهة الى مجرمٍ يخترق الاثنتين معا. دون أن يعرف الرجل كيف حدث هذا ولماذا !!؟ لانه لم يقرا الموقف جيدا ولم يصدق أن المناصبَ ذاتها فاسدة، وان الأحزاب عبارة عن فكاكٍ تفترس حصصها افتراساً، وسيعرف الاسدي من بعده ذلك والذي من بعده طالما أن كلمة السر في المعادلة لاينطق بها صاحبُ قرار جريء مسؤول.
في هذا المناخ الملتبس بين الاحتجاج الحر وتوظيف الاحتجاج وبين المطالب العليا بالتغيير وحصر المطلب بمنصب يسيل عليه لعاب الاحزاب ودماء الشباب عمت مدينة الناصرية التظاهرات وتصاعدت اعمال العنف التي ادت الى ارتقاء 120 جريحا وعشرة شهداء حتى الان بعد ان طالب المتظاهرون باقالة المحافظ القاضي او القاضي المحافظ.
الكاظمي كعادته وعد باعمار المحافظة وكأنه يَعد باعادة الارواح التي زهقت مثلما منح البرلمانُ ايام جريمة الشمري وسام تسمية الناصرية ( المدينة المنكوبة ) دون تغيير ، وكانهم يريدون بذلك الوسام المعنوي الفارغ الهروب من المسؤولية لكنهم عادة مايتعثرون بدماء ابناء الناصرية. .
وفي ظل التوجس والتوتر وما يحصل خلال الساعات والايام القادمة ، ينتظر اهالي المدينة الكلمة الاولى للاسدي قبل الرصاصة ، وهم تعودوا على عدم جدوى الاثنتين معا .
الاخطر في الامر أن خبر الناصرية اليوم انتقل من معالجة امرٍ خاص بالمدينة الى حائط صد بين النظام السياسي الحالي ومايمكن ان يكون عليه ، أحكاما عسكرية وتعيين العسكريين محافظين كما هو في مصر مبارك وفي الاحكام العسكرية ، ام ان هناك مشروعا آخر لم نعرف تفاصيله حتى الان يجعل هذه المدينة التي لم
تستقر منذ ظهور آدم تسقر اليوم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى