الخوف من القوي الامين
عبد الحميد الصائح
سوءُ طالعِ أي دولة حين يكون المسؤولون فيها صنفين ..إما اقوياء بلا أمانة ، أوأمناء بلا قوة . فالقوي غير الأمين خطرٌ على البشر، يمكن أنْ يفعل ما يحلو له،يذلّ من يشاء ويُعز من يشاء ، بيده رقابُ الناس وأرزاقهم، يسرق دون حسابويقتل دون عقاب، اذا مالَ شرقاً مالوا شرقا، واذا مالَ غربا انبطحوا معه.
والأمين المخلص الذي لاحولَ له ولاقوة هو الآخر خطرٌ أيضاً ،لأنّ جميع مراكبِالاقوياء ستعبرُ على ظهره المستسلم الوديع .
ولذلكَ ترى الوهمَ العراقي اليوم يتعلّق تارة بالقوي عسى أن يكونَ عادلاً رحيماأميناً . أو يتوسم في الأمين الضعيف أنْ يفعلَ مايقول، وأن يضربَ الاقوياء بيدمن حديد من حيث لايستطيع.
ولهذا ذهبتْ الحكمةُ الالهيةُ الى الجمْعِ بين تَيْنك الصفتين الذهبيتين (القوي) و(الأمين) كما يرد في القرآن الكريم من قوله تعالى في سورة القصص عنإحدى ابنتي شعيب لما اقترحتْ على أبيها أن يتخذ سيدنا موسى – عليهالسلام – مسؤولاَ بالأجر (يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
لاسيما حين جعل القول على لسان امراة كرمزٍ للتقييم السليم بفطرة الانثىالباحثة عن الأمان وكقياس للشهامة لدى صاحب الموقف الشجاع الأمين. حيثإن القوة والأمانة صفتان اذا انفصلتا كانتا شراً على الناس واذا اجتمعتا كانتاخيراً عليهم .
.
متى يكون الخوف من القوي الأمين في المسؤولية والادارة؟ يكون الخوف منهومحاربته حين يكون وجوده حلاً في بلد لايسعى الى الحلول!. يكون الخوفمنه في مجتمع يعيش على الفوضى ويسترزق خارج القانون ويقوى خارجالسلطة. فهو يحتاج واحدة من الصفات اما قوي يتقاسم الغنائم مع الاقوياء ،أو أمين ضعيف للفرجة ليس لأمانته تاثيرٌ في ادارة البلاد.
فالقوي الأمين لايرضى بالفساد وضياع الثروة وظلم الناس لأنه أمين ، وهو نفسه لايسمح لاي جهة أو قوة تهدّد الناس والمجتمع لانه قوي.
القوي الأمين .. لايساوم على سلطة لانه قوي ولايقتسم غنيمة لأنه أيضاً أمين.
القوي الأمين لايسرق لانه امين ويخشاه السراق لانه قوي في الوقت نفسه.
عجيب، كيف اختصرتْ هذه الجملةُ مؤهلات القيادة في كلمتين (إِنَّ خَيْرَ مَنِاسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) اذا ماعرفنا مظاهر القوة الاخرى من العلم والوعيوالأهليّة واتخاذ القرار الصحيح، واشكال الامانة من حفظ دماء الناس واموالهموقبل كل ذلك العدل في حكمهم وتسيير شؤونهم.
القوي الأمين …هو خلاصة النموذج الفريد الذي تحتاجه اليوم دولة مثل العراقكل شيء فيها مادياً ومعنوياً وروحياً يحتاجُ الى تصليح ..