هل المشكلة في الغاز الايراني ام في السياسة النفطية العراقية ؟
د. كريم وحيد
هل المشكلة في الغاز الايراني ام في السياسة النفطية العراقية ؟
د. كريم وحيد
إستوقفتني نبوءة رفسنجاني حول مستقبل العملية السياسية في العراق عند لقاءه وفد مجلس الحكم الأنتقالي في عام 2003, ( انتم القيتم بكل ثقلكم على ايران معتمدين عليها حتى في اموركم الجزئية التافهة ، ماذا لو تعرضت ايران لحملة عسكرية من الغرب و فقدت قوتها التي تعتمدون عليها ؟, أين ستولون وجوهكم ؟). جاءت منطقية التوجه والاستراتيجية, خاصة بعد معاناة الاعتماد في صناعة الطاقة الكهربائية على استخدام الغاز الايراني, والتي تم التوجه في حينه باستخدامه كبديل اضطراري ومؤقت بعد تأخر وزارة النفط بتنفيذ التزاماتها بالخطة الوقودية المشتركة مع وزارة الكهرباء, والمباشرة حينها باعداد دراسة جدوى في عام 2009 لتجهيز بعض المحطات الغازية العاملة والجديدة على الغاز الطبيعي المستورد من أيران ولفترة محددة لاتتجاوز الخمس سنوات. ان دراسة الجدوى الفنية والأقتصادية لمشروع انشاء خط انبوب لنقل الغاز الطبيعي من ايران الى العراق مبنية اساسا على مقارنة الكلف التشغيلبة لانتاج الطاقة على الانواع المختلفة للوقود من كلفه وكلف الصيانة, اضافة الى كلفة الانبوب داخل الاراضي العراقية لتجهيزالمحطات الغازية في المنطقة الوسطى بكميات غازطبيعي تصل الى 800 مليون قدم مكعب قياسي باليوم, ثم توسعت الدراسة لاحقا لأنشاء خط ثان لتجهيز المحطات الغازية في المنطقة الجنوبية بكميات من الغاز الطبيعي تصل الى 1000 مليون قدم مكعب قياسي باليوم ولحين إيفاء وزارة النفط التزاماتها بعد التأخر في استثمار الغازالطبيعي المصاحب في جولة التراخيص الاولى واشكاليتها مع شركة بريتش بتروليوم لتجهيز محطات انتاج الطاقة بكميات الغازالطبيعي المطلوبة. ان تاخروزارة النفط في استثمار الغاز المصاحب لانتاج النفط والذي يحرق بكميات كبيرة بمقدار 1700 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم ولحد كتابة هذه السطور, وتاخرها في استثمار الحقول الغازية في انتاج الغازالطبيعي الحر ضمن برنامج جولات التراخيص المخطط انتاجه في عام 2014, والذي لم يكتمل لغاية تاريخه ايضاً. حيث ركزت وزارة النفط في سياستها على قطاع الاستخراج النفطي من خلال جولات التراخيص, واهملت تطوير قطاع صناعة المشتقات النفطية لتلبية الحاجة التشغيلية لمحطات انتاج الطاقة الكهربائية, خاصة بعد تضرر اكبر مصافي العراق في بيجي من قبل زمر داعش الارهابية, مما اضطرت وزارة النفط باستيرادها من الوقود الخفيف (الكازاويل) بمقدار(3-4) مليون لتر في اليوم لصالح وزارة الكهرباء لتشغيل بعض المحطات الغازية الجديدة ,وسبب ذلك خسارة العراق من موازنته بمقدار (2) مليار دولار سنوياً متاتية من استيراد وقود الديزل للكهرباء ومن الانخفاض القسري لانتاج المحطات الغازية بسبب عدم كفاءة التشغيل بالنفط الخام او الوقود الثقيل كبدائل عن الغاز الطبيعي, ولا تزال صناعة المشتقات النفطية الاستثمارية غامضة و مترنحة بسبب منافسات واستحواذات الكتل السياسية, الذي إنعكس ذلك سلبا على توفير مشتقات الوقود بانواعه بالكميات المطلوبة و التعويض عنها قسراً بالتجهيز بالنفط الخام كبديل غير اقتصادي في انتاج الطاقة الكهربائية بدلا من تصديره وتعظيم الايرادات النفطية التي تقلصت بسبب انخفاض اسعار النفط عالميا.
أن سبب التوسع في الطلب على الغاز الطبيعي هو اعتماد بناء المحطات الغازية ذات الأحجام الكبيرة, وذلك بسبب انخفاض تصاريف المياه في نهري دجلة والفرات وروافدهما ومنذ تسعينات القرن الماضي، الذي تطلب الى تبني سياسة جديدة وواضحة لمستقبل مشاريع انتاج الطاقة الكهربائية خاصة بعد تجربة المحطات الغازية الكبيرة في نهايات القرن الماضي من خلال مذكرة التفاهم المعرفة بآلية النفط مقابل الغذاء والدواء, اضافة الى دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية للوحدات الغازية الكبيرة عند توسيعها نحو الدورات المركبة التي لاتتطلب وقودا اضافيا واعتمادها دورات تبريد مغلقة بتكنولوجيا متطورة.و كما استعرضتها خطة وزارة الكهرباء المركزية الموسعة الصادرة في شهر تشرين الثاني عام 2010 والمقدمة من قبل الشركة الاستشارية بارسنز برنكرهوف, التي حددت سياستها اساسا من عدم التوسع في اعتماد المحطات البخارية بسبب انخفاض الواردات المائية لنهري دجلة و الفرات المقلقة والحرجة على ضوء انشاء تركيا مشاريع السدود في جنوب شرق الاناضول. ولكون العراق بلد المصب, ولوصول مناسيب المياه في حوضي دجلة والفرات الى مستويات الحدود التشغيلية الدنيا للمحطات البخارية خاصة في المنطقتين الوسطى والجنوبية, الذي على ضوءه تم تحديد مواقع و سعات المحطات البخارية التي يتم تنفيذها وفقاً للخطة المائية لوزارة الري في حينها. وأعتماد المحطات الغازية الكبيرة للدورة المركبة ذات الكفاءة العالية وسرعة الانشاء وانخفاض كلفها الاستثمارية وحتى التشغيلية. وبناءً على استقراءات منحنيات الطلب على الطاقة الكهربائية المتضمنة في الخطة المركزية للفترة (2011-2030) , يكون حمل ذروة الطلب في عام 2020 بحدود 25000 ميكاواط , الذي يتطلب فيها تأمين الوقود الغازي لتشغيل القدرات المؤسسة لمحطات الانتاج الغازية بكمية 6000 مليون قدم مكعب قياسي يوميا , وليكون حمل ذروة الطلب ايضا على الطاقة الكهربائية في عام 2030 بحدود 40000 ميكاواط, التي يتطلب فيها تأمين الوقود الغازي بكمية 8000 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم كحد ادنى لتشغيل كافة محطات الانتاج الغازية فقط.
وعلى ضوء مؤشرات تاخر وزارة النفط في تأمين تجهيز الغاز الطبيعي لمحطات انتاج الطاقة الكهربائية، قدمت وزارة الكهرباء عدة مقترحات في عام 2007 لاستثمار حقول المنصورية والسيبة وعكاز الغازية لصالح وزارة الكهرباء, لم توافق وزارة النفط على هذه المقترحات في حينها ولا على غيرها من انشاء مصاف صغيرة متخصصة بانتاج انواع الوقود المتخصصة الخفيفة كونها من اختصاص عمل وزارة النفط. حيث أحرجت سياسة وزارة النفط البرنامج الزمني لتشغيل مشاريع انتاج الطاقة الكهربائة وحسب الخطة الالوقودية والتزاماتها بتوفير الكميات المطلوبة من الغاز الطبيعي ليكون متزامناً مع برنامج تنفيذ و تنصيب المحطات الغازية مما تسبب في الاضطرار بتشغيلها على بدائل وقود الغاز الطبيعي وتبعاتها الفنية والاقتصادية. و بالرغم من اطلاق هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة في الثاني عشر من شهر حزيران من عام 2012, والتي هدفها رسم سياسة نفطية جديدة ولغاية عام 2030, وكذلك لتصحيح مسارات الصناعة النفطية التكريرية و صناعة الغاز بشكل خاص وبما يتناسب مع خطط ومشاريع شركاءها في قطاع الطاقة والصناعة. وبالرغم من اصدارها وتوجيه رئيس مجلس الوزراء باعتمادها في ( 13 مايس عام 2013), لم يتم اعتمادها من قبل وزارة النفط لغرض تقويمها عند مراجعة عقودها لجولات التراخيص للنفط والغاز. واستعرضت الاستراتيجية وحسب بيانات وزارة النفط بان الاحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي في المكامن النفطية والغازية حسب بيانات وزارة النفط بحدود 131 ترليون قدم مكعب منها 98.3 ترليون قدم مكعب الاحتياطي للغاز المصاحب للانتاج النفطي ليمثل نسبة %75 من الاحتياطي الاجمالي للغاز الطبيعي. وان انتاج الغاز المصاحب حاليا بمقدار 2800 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم , لتحرق منه كميات بمقدار 1700 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم وهذا يكافئ انتاج طاقة كهربائية من محطات غازية بسعة 6000 ميكا واط ويكافئ ايضا انتاج كميات من النفط الخام بمقدار 194 الف برميل يومياً, وهذا يعني نزف مستمر جراء حرق المزيد من الغاز الطبيعي المصاحب, في ظل سياسة نفطية غير واضحة الاهداف في الصناعة النفطية بعيدا عن سياسة رسمت لقطاع الطاقة في اجتماعات لجنة الطاقة الوزارية ومثبتة في الخطة الوقودية والمتضمنة في الخطة الاستراتيجية لوزارة الكهرباء, ليكون اهتمامها فقط على قطاع الاستخراج النفطي من خلال جولات التراخيص. و يقدر الاحتياطي الموثوق للغاز الحر بحدود 32.7 ترليون قدم مكعب, ويمثل نسبة % 25 من الاحتياطي الاجمالي للغاز الطبيعي موزعة في حقول ( عكاز، المنصورية، الخشم الاحمر،كورمور, السيبة، جمجمال ) وبمعدل انتاج يومي بمقدار 1500 مليون قدم مكعب يوميا بعد استثماره, والذي يكافئ انتاج 5000 ميكاواط من الطاقة الكهربائية. و بدلا من دعم تنفيذ الخطة الوقودية مع وزارة النفط وحسب البرنامج الزمني لتجهيز الغاز الطبيعي من مصادره الوطنية كبديل عن استيراد الغاز الايراني لغرض تشغيل المحطات الغازية التي انشأتها وزارة الكهرباء من تخصيصاتها في الاستثمارية, تم الانحراف عن تنفيذ الخطة المركزية لوزارة الكهرباء في الاعوام ( 2014 و 2015 و2019 ) بسبب تدخلات سياسية فرضت فيها على الوزارة أربعة مشاريع انتاج غازية استثمارية خاصة بسعة اجمالية بمقدار 10000 ميكاواط لانتاج الطاقة الكهربائية تعمل على الغاز الطبيعي فقط, ومغادرةً عن السياقات الفنية والقانونية التي وضعتها الشركة الاسكتلندية آي بي أي المتعاقدة مع وزارة الكهرباء في عام 2009 والمتخصصة في بناء المنهاج الاستثماري لقطاع الطاقة الوطني, مما اضطرت وزارة الكهرباء بعد توقيع عقود المشاريع الاستثمارية الاربعة, ولالتزامات تعاقدية مع الشركات الاستثمارية, التزمت وزارة الكهرباء بتوفير كميات الغاز الطبيعي والمخصصة اساساً لتشغيل محطاتها الغازية مرغمة بتجهيز هذه المحطات الاستثماري الخاصة بالغاز المستورد من جمهورية ايران الاسلامية, مما اضطرت وزارة الكهرباء بالاستمرار بتشغيل محطاتها على انواع الوقود البديلة بكفاءة منخفضة وباتاحة اقل وبكلف تشغيلية عالية. اذن, فما هي الجدوى من تنفيذ مشاريع الشركات الاستثمارية لمحطات انتاج غازية في بيئة غير مهيئة استثمارياً و فنياً و غير مهيئة تصميمياً لتعمل على أنواع وقود بديلة عن الغاز الطبيعي؟, ولتستحوذ كذلك على كميات الغاز الطبيعي المخصصة لمحطات انتاج الطاقة الغازية العاملة والمنفذة من تخصيصات وزارة الكهرباء الاستثمارية. ولتكون الخسارة مركبة متأتية من فقدان قدرات انتاجية بمقدار 6000 ميكاواط عند توقف تجهيز الغاز الايراني لاسباب فنية او مالية, وكذلك من خسارة مالية بسبب الاجحاف في الالتزام التعاقدي مع الشركات الاستثمارية لتسديد قوائم شراء طاقة كهربائية وبدون تجهيز طاقة كهربائية, وحسب اسلوب عقد شراء الطاقة (خذ –أو– ادفع), مع استمرار حرق الغاز المصاحب بكميات 1700 مليون قدم مكعب يوميا الذي يكافئ انتاج 6000 ميكاواط من الطاقة الكهربائية المفقودة من جراء توقف تجهيز الغاز الايراني. لتستمر بسببها معاناة المواطن ويستمر كيل الاتهامات لوزارة الكهرباء والتشكيك بانجازاتها. ان وزارة النفط اعتمدت في سياستها بتطوير قطاع استخراج النفط الخام وزيادة انتاجه فقط لغرض الوصول الى اعلى طاقات متاحة من خلال جولات التراخيص الثلاث الاولى وعقود المشاركة في الاستكشاف والتطوير في جولة التراخيص الرابعة، وعدم توليها الاهتمام في الصناعة النفطية المتمثلة بصناعة المشتقات النفطية والغاز والتي تمثل امن الطاقة القومي والاستراتيجي الذي يتوقف عليه اساساً انتاج الطاقة الكهربائية وصناعة البتروكيمياويات والاسمدة, ضمن خطة وقودية تبدأ من عام 2014 على ضوء مراحل انتاجه في عقود جولات التراخيص. ان هذه السياسة قد اجبرت وزارة الكهرباء باعتماد تصاميم المحطات الغازية في عقودها بعد عام 2003 باشتغالها على كافة أنواع الوقود وحسب ما يتوفر من وقود مجهز من وزارة النفط؟، بالرغم ان التشغيل على الوقود الثقيل أو النفط الخام غير اقتصادي و بكفاءة اقل, ولكن لا بديل ولحين إكمال استثمار الغاز المصاحب و تطوير الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص كما وعدت به وزارة النفط في حينه. ونامل خيرا في توجهاتها الحالية لايقاف الهدر في كميات الغاز المصاحب والعمل على ترجمته بانتاج طاقة كهربائية اضافية تنهي معاناة المواطن من النقص في تجهيزه بالكهرباء, لتغطي الحاجة الوطنية من كامل الكميات المنتجة من الغاز الطبيعي في الصناعة وانتاج الكهرباء لسنوات قادمة. ولتكن فيها نبوءة رفسنجاني رؤيا مستقبلية لسياسة عراقية وطنية مستقلة في كافة قطاعاتها.