الحرب تبدأ بالاغتيال
محمد السيد محسن
الاغتيالات تمهد للحروب دائماً … ويعد نجاحها جس نبض للأطراف المتصارعة كي تتهيأ للمواجهة.
لعل التاريخ يعيدنا بين حين وآخر إلى محاولة الاغتيال الشهيرة التي سببت اندلاع أكبر حرب على الكرة الأرضية، وهي الحرب العالمية الأولى، عام 1914 حين أقدم شاب قومي صربي يدعى غافريلو برينسيب على اغتيال وريث عرش الإمبراطورية النمساوية الهنغارية الأرشيدوق فرانز فرديناند.
وبعد أسابيع من مقتله تصاعدت الأحداث وبلغت ذروتها باندلاع حرب عالمية أسفرت مع نهايتها في عام 1918 عن مقتل الملايين وسببت مجاعات أودت بحياة مئات الآلاف، كما تسببت بانهيار ثلاث إمبراطوريات أوروبية.
الصراعات في منطقتنا العربية والعراق أيضاً أكثرها بدأت بعد محاولات اغتيال ناجحة، وما اغتيال وصفي التل رئيس الوزراء الأردني ببعيد، أو اغتيال عماد مغنية، وصولاً إلى اغتيال سليماني في بغداد قبل ما يقرب العام من الآن. وما سببت من حديث بصوت عال من مواجهة مرتقبة بين إيران والولايات المتحدة وبعض دول الناتو العربي.
أما في العراق وما يدور في نفوس الفصائل المتفاعلة على بعضها البعض، وحرب الاستحواذ على المكاسب التي حققتها العملية السياسية، وضغوط الانسحاب والتراجع عنها بسبب وصول الوضع الاقتصادي إلى ما يمكن وصفه بمرحلة الشلل التام والتهيؤ للموت السريري، كل هذه المعطيات تبدو كفتيل يتم الإعداد له لاشتعال نار لن يهدأ أوارها إلا بقتل عديد الحاملين للسلاح والأبرياء العراقيين.
اغتيال قيادي في سرايا السلام في الديوانية يدفعنا لأن نفكر ملياً في ما سيجر إليه نجاح عملية الاغتيال، وبدء مرحلة التصفيات بين الفصائل، إن لم تكن الحادثة لجس نبض الفصائل بعضها البعض.
حيث إن حادثة اغتيال في مدينة وادعة كمدينة الديوانية يشير إلى أكثر من سيناريو، من أهمها أن الفصائل ربما بدأت بالتهيؤ للحرب وتستعد لأن تشمر عن ساق، حيث إن أصابع الاتهام لا يمكن أن تتجه إلى المتظاهرين السلميين، ولا إلى التنظيمات المتشددة التي لا تمتلك حاضنة في الديوانية، ولا إلى الحكومة التي لم تدخل بعد في الصراع بين الفصائل وإنما هي تهتم بهمومها مع بعض تلك الفصائل.
إنها إشارة صعبة المراس، وليست إيجابية في هذه المرحلة سواء كانت عملية الاغتيال قد نفذت بأياد تقليدية تنتمي الى الفصائل كما هي عمليات اغتيال الناشطين التي باتت تقليدية في تنفيذها، ويقينية بمعرفة من يحمل السلاح ومن ورائه من فصائل متنفذة على مستوى الميدان وتستوقح حين تحاول الحكومة كبح جماحها. أو ما يتم تداوله في هذه الأيام إلى أن محاولات الاغتيال التي شهدتها مدينة الديوانية في الآونة الأخيرة تعود الى مجموعة عقائدية ينتمون الى تنظيم جماعة السماء، وهي عصابة “شيعية” لها عقيدتها المتقاطعة مع كثير من عقائد المذهب الاثني عشري.
لقد وصلت معلومات من مدن في جنوب العراق ووسطه ان فصائل بعضها يتبع الحشد الشعبي تدور منذ فترة على شيوخ العشائر لمحاولة شراء ذمم بعض المشايخ لضمان موقفها في حال اندلاع صراع بين الفصائل، فتزودهم بالسلاح وتتفق معهم على عدد المقاتلين “التفاكه” الذين سيقاتلون الى جانبها ضد أخرى.
فضلا عن تصريحات سابقة لقادة فصائل تضمنت علمهم بمخطط لضرب الفصائل بعضها البعض.
اذا كانت الفصائل هي من تتحرش بمثيلاتها، او كانت هناك اياد خارجية تحاول ان تدفعها للصدام، فالأمر سيان لاشتعال فتيل نار ستتدحرج كرتها ولن يطفئ أوارها الا دم الاف من العراقيين الأبرياء.