أوار الناصرية .. بشهادة حنا بطاطو

محمد السيد محسن

كلما خفت اوار الثورة في العراق , شمر شباب الناصرية عن ساق ليعيدوا بريقها , انهم فتية امنوا بالوطن , وزادهم الايمان بقضيته هدى للوقوف بوجه الطبقة السياسية الفاسدة .

اتذكر ما كتبه حنا بطاطو في كتابه “تاريخ العراق” الذي كتبه عن الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية الاولى بعد انقلاب 1958 . حيث قال عن الناصرية : بلدة مشهورة بحرية لا تقهر .. انها مستودع بارود قابل للأنفجار في اي وقت.

على الرغم من ان بطاطو فلسطيني ولد في القدس 1936 , وغادرها الى الولايات المتحدة منذ عام 1951 اي بعد النكبة بثلاث سنوات , الا انه تخصص بالبحث عن تاريخ المشرق العربي الحديث , وكتب عن العراق لانه كان يعتقد ان هذا البلد سباقا في الوقوف بوجه محاولات التغريب وكسر ارادته الشعبية منذ عام 1917 , فقدم اولا كتابه “الشيخ والفلاح في العراق” , وتناول فيه جدلية الاقطاع والتحرر في العراق , ثم قدم كتابه “العراق ” والذي يعد من اهم المصادر المعتمدة لتاريخ العراق الحديث.

اهتم بطاطو بالحركة الشيوعية في العراق باعتبارها اول تجربة يسارية في البلدان العربية , وكان منحازا لهذه التجربة , وتحدياتها.

حين راجعت الكتاب قبل ايام لحاجتي لبعض المعلومات في بحث اعمل عليه منذ اكثر من عام , وجدت هذه الجملة عن اهل الناصرية , واعتقدت للوهلة الاولى ان حنا بطاطو ومن خلال انتمائه “الشيوعي” والتصاق الحالة الثورية مع الفكر اليساري , اعتقدت انه كان منحازا الى تجربة الحزب الشيوعي وهو كذلك بالطبع , واعتقدت ان شخصية “يوسف سلمان يوسف ” – فهد – مؤسس الحزب الشيوعي العراقي اثرت في حنا بطاطو , بيد ان ما كشفت عنه الايام , وبوقفة شباب الناصرية ادركت فعلا ان ما شخصه بطاطو لا يبتعد عن الحقيقة بشيء , لانه – بطاطو – بدأ بدراسة تاريخ العراق في بدايات الخمسينات متأثرا باهتماماته المبكرة بالحركات الثورية التي سادت في العراق , وبشكل خاص ركز على الحزب الشيوعي العراقي. وسافر أواخر الخمسينات إلى العراق عدة مرات واستطاع الوصول لعدة سجناء سياسيين شيوعيين إضافة لملفات الشرطة والأمن العراقية السرية قبل حدوث ثورة 1958. وكانت له علاقات مع سياسيين وحركات سياسية عراقية , بل انه كان يمتلك علاقات مع رئيس الوزراء الاسبق عبد الكريم قاسم المعروف بميوله اليسارية , مما سهل له الوصول الى الكثير من الأرشيف السري لأجهزة الأمن العراقية والاطلاع على تاريخ العراق في فترات متعددة منه حتى السبعينات. مكنته هذه السجلات من وضع دراسته عن التغيرات السياسية في العراق.

لكن ما يخيفني في هذه المرحلة , اي مرحلة استعادة الثورة بريقها , ان الطبقة السياسية “المتدينة” حصرا بدأت تكشف جهارا عن وجهها “القبيح” تجاه انتفاضة تشرين ظنا منهم انها انتهت على اعتبار ان الثورات لا تستعيد أوارها الا بعد سنوات , لكن مراهناتهم فشلت , ما يشير الى مواجهة شرسة هذه المرة حيث يعتقد “المتدين السياسي” في العراق ان اوانه دخل في مرحلة الفتور , وانهم ذاهبون الى الاستبدال , وهذا سيجر عليهم ويلات التعرض للقضاء لكثرة ما اقترفت اياديهم – باعترافاتهم- من قتل وتنكيل وفساد وسرقات وتهميش ومحاولات تفريق العراقيين وحسابهم بالقرينة لا بالمواطنة وحدها. لذا على الشباب المتظاهرين ان يحتموا بالحنكة والصلابة والقوة والوحدة وان لا يتفرقوا فانهم بإذن دماء الشهداء والتضحيات الجسام منتصرون.

Exit mobile version